تفويت على أولئك المكابرين المعاندين أن يجدوا فسحة من الوقت يردّون بها الشاهد الذي أشهده الرسول عليهم، وإلغاء لكل شاهد يقيمونه فى هذا الموقف غير الله سبحانه وتعالى، وقطع للجاجهم وعنادهم، وإمساك بآذانهم أن تنحرف عن هذا الموقف الذي هم فيه.
وقوله تعالى:«أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى» هو تقرير لهم من الرسول، وهم فى هذا الموقف، بعد أن أوقفهم بين يدى الله، وأشهده عليهم..
ومع هذا، فإن العناد لا يزال مستوليا عليهم، وإن اللجاج لا يزال يضرب بأمواجه فوقهم..
ولهذا، فإن الرسول الكريم، لا ينتظر جوابهم، إذ كان جوابا منحرفا عن الحق، بعيدا عن الهدى.. فليتركهم وشأنهم، وبين أيديهم دعوة الحق، وأمامهم طريق الهدى، فإن أطاعوا فقد اهتدوا، وإن تولّوا فإنما هم فى ضلال وخسران.. أما الرسول الكريم، فعلى الطريق الذي أقامه الله عليه.. «قُلْ لا أَشْهَدُ» أن مع الله آلهة أخرى. «قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» .
وفى قوله تعالى:«قُلْ» تثبيت للنبى من ربّه، ووضع للكلمة التي ينبغى أن يقولها، على لسانه وفى قلبه.. يتلقاها من الله، فتلتقى مع الكلمة التي يريد أن يقولها، فإذا هى نور فى قلبه، وقوة فى عزمه، وطمأنينة فى صدره، ولطف عظم من ألطاف ربه.. وفى تكرار «قل» مع كل قول من الله تعالى لهم، كمال عناية، وتمام رعاية من الله سبحانه «للنبى» حيث يجد مع كل نفس يتنفّسه، وحي السماء يقول له: قل.. قل.. قل.. وبهذا يشتدّ عزمه، وتثبت فى لقاء الكافرين قدمه.