التفسير: فى هذه المناجاة التي كانت تسبح فيها أرواح المؤمنين فى رحاب الله، وترفّ بها على مشارف الملأ الأعلى، يؤذّن فيهم بالعودة إلى عالمهم الذي يعيشون فيه، العالم الأرضى، إذ كان لا بدّ من العودة بعد هذه الرحلة المسعدة فى عالم الروح، والحق، والنور، لأن الحياة تدعوهم إليها، ليكونوا مع النّاس، وليعيشوا فى الناس! ومع ما معهم من زاد طيب تزوّدوا به فى تلك الرحلة المسعدة، فإن ما على الأرض من مفاسد وشرور، وما فى النّاس من مفسدين وأشرار، جدير به أن يغتال هذا الزاد الطيب، وأن يحرم أصحابه منه إذا لم يحذروا.
ولهذا فقد تلقّاهم الله سبحانه وتعالى بتلك اللفتة الكريمة- تلقاهم وهم يهبطون إلى هذا العالم الأرضى، ليأخذوا حذرهم من العدوّ الراصد لهم بما فى يديه من مفاتن ومفاسد، وليظلوا هكذا محتفظين بما وقع لأيديهم من خير، فى تطوافهم بالعالم العلوي، وسبحهم فيه..
وكان قوله تعالى مخاطبا نبيّه الكريم:«لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ» هو اليد القويّة الرّحيمة، التي تمسك على المؤمنين إيمانهم، وتثبت على طريق الحق والخير خطوهم، فلا يغريهم ما يغدو فيه الكافرون وما يروحون، من متاع الحياة وزخرفها، وما يحصّلون فيها من مال، وما يقع لأيديهم من جاه وسلطان، فذلك كله «مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ» .