هو إشارة إلى أن أكثر الناس فى هذه الدنيا تغلب عليهم أهواؤهم، وتستولى عليهم نزعات الشر والضلال، وأن أصحاب الهدى وأهل التقوى، هم قلة فى هذه الدنيا، وأنهم لو اتبعوا الكثرة لكثرتها لهلكوا مع الهالكين، وضلّوا مع الضالين.. وهكذا الخير قليل فى أهله، كثير فى مضمونه، وأن الشرّ كثير فى أهله، قليل فى محتواه.. وكذلك كل نفيس أو كريم، هو قليل الكمّ كثير الكيف، وكل خبيث وتافه، هو كثير الكمّ قليل القدر، بخس القيمة، وإلى هذا يشير الله سبحانه وتعالى بقوله:«قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(١٠٣: المائدة) .
فهذه الكثرة الغالبة من الضالين، لا يقوم ضلالهم إلا على أوهام وترّهات، ولا يستند إلا على أهواء ونزوات:«إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» والخرص، والتخرص: هو الحكم على الشيء بلا علم، والأخذ به بلا برهان ولا دليل، ومنه خرص النحلة، وهو تقدير ما تعطى من ثمر قبل أن ينضج ويكتمل، وهو ضرب من المقامرة، قد نهى الشرع عنه.. وفى هذا يقول سبحانه وتعالى:«قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ» . (١٠: الذاريات) قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» بيان لما ينكشف عنه حال الناس عند الله، وأنهم ضالون ومهتدون، وعند الله علم من يضل ومن يهتدى.. ولكل حسابه وجزاؤه عند الله.
الآيات:(١١٨- ١٢١) [سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٨ الى ١٢١]