التفسير: قوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ» هو بلاغ مبين لما بين يدى النبىّ من آيات الله، وما فيها من حق، وأن هذا الحق الذي بين يديه، هو رحمة وهدى للناس، وما كان هذا شأنه فلا يكون سببا فى ضر أو أذى.. شأن الطبيب الذي يحمل إلى الأجسام الدواء، يبغى سلامتها وعافيتها..!
وفى الناس الظالمون، الخائنون، الذين يمدون أيديهم إلى الناس بالبغي والعدوان، ثم إذا جىء بهم إلى ساحة القصاص رموا بما فى أيديهم من ظلم وبغى على غيرهم من الأبرياء، وجاءوا إلى ذلك بالزور والبهتان، وبشهود الزور والبهتان..
وموقف النبىّ الكريم مع هؤلاء المبطلين، هو أن يحكم فيهم بما أراه الله، وبما فى يديه من كتاب الله، وأن يستمع إلى طرفى الخصومة، دون أن يكون خصيما، أي معاديا لأىّ من الطرفين، حتى ولو استبانت خيانة الخائن، وظهر بهتانه.. إنه- مهما كان جرمه- لا يؤخذ بغير الجزاء الراصد لجريمته، عند ما تثبت إدانته.. فلا يقف منه القاضي موقف العداء، الذي قد يميل به إلى الجور على هذا المتهم، وتجاوز الحدّ فى العقاب الذي يستحقه! وانظر كيف تدبير الإسلام فى حمايته للإنسان، ودفع الظلم عنه، حتى وهو الظالم الأثيم.. ذلك أن الظلم لا يدفع بالظلم، وإنما الذي يدفعه هو تحقيق العدل، وأخذ الظالم بظلمه، دون مجاوزة حدود الله فيه..