وفى هذه الصورة المفزعة، فى هذا الرجل الفاني، وصغاره، وجنته المزهرة المعجبة المثمرة، عبرة لمعتبر!.
فلقد أضاع الرجل جنته بيده، وحرقها بسموم أنفاسه! إنه كان من المحسنين، الذين غرسوا فى مغارس الخير، وكان يرجى لغراسه هذا أن يكون منه زاد لصغاره بعد مماته، كما يكون منه الزاد الطيب العتيد له يوم حسابه، فإن المحسن فى الدنيا تعود نفحات من إحسانه على ذريته من بعده، كما يقول الله سبحانه وتعالى فى الغلامين صاحبى الجدار، فى قصة موسى والعبد الصالح:
«وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً» . (٨٢: الكهف) ولكن الرّجل أفسد كلّ شىء، وأتلف ما غرس بيده، إما لأنه كان كافرا لم يتقبل الله منه عملا أصلا، وإما لأنه كان مؤمنا محسنا، ولكنه يبطل إحسانه بالمنّ والأذى!.
فلينظر الإنسان أين يكون مكانه فى المحسنين: أيكون محسنا مؤمنا، لا يبطل إحسانه بالمنّ والأذى.. أم محسنا مؤمنا، يسلّط على إحسانه منّه وأذاه فلا يبقى على شىء منه.. أم يكون كافرا يمحق كفره كل شىء، ويأتى على كل صالح؟ «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ» .