التفسير: وفى مواجهة هذه الجنة المونقة المعجبة، على صدر تلك الربوة الشامخة، جنة من نخيل وأعناب، ومن كل الثمرات.. قد آتت أكلها، ونضجت ثمارها.. يملكها رجل أصابه الكبر، ودنا منه شبح الموت، وبين يدى الرجل ذرية ضعفاء، لم يقدروا بعد على العمل والكسب، فهم فى حاجة إلى من يعولهم، ويدبر لهم وسائل العيش، وهو ينظر إليهم فى حالهم تلك، وقلبه يخفق إشفاقا عليهم، وخوفا من أن تقسو عليهم الحياة من بعده، ويمسّهم الضر والأذى بفقده، ولكنه ينظر من جهة أخرى إلى تلك الجنة التي بين يديه، وما فيها من خير كثير، ورزق موفور، فيطيب خاطره، ويطمئن قلبه، أن ترك لصغاره هذه الجنة، يسرحون فيها ويمرحون..
وفيما الرجل يردد النظر بين صغاره وبين جنته، وفيما هو بين نوازع الألم والحزن، وبارقات الرجاء والرضى، يطلع عليه من وراء الأفق عاصف مجنون، يسوق بين يديه شواظا من سموم، فيرمى به تلك الجنة، فإذا هى رماد تذروه الرياح!.
إنها القيامة.. ولقد وجد الرجل نفسه عاريا من كل شىء، لم يترك لصغاره شيئا بعده، ولم يجد بين يديه شيئا لمصيره! فما أشأم هذا الموقف وما أنكده وأقساه.. وحزن مرير على ما فات، وخوف شديد مما هو آت!.