كانت السورة السابقة «الممتحنة» حديثا متصلا إلى المؤمنين، وما ينبغى أن يكون عليه موقفهم من المشركين، والذين يكيدون للإسلام والمسلمين، وأن هذا الموقف يقتضيهم أن يقطعوا ما بينهم وبين هؤلاء وهؤلاء من صلات القربى والمودة، وأن يجعلوا ولاءهم خالصا لدين الله والمؤمنين بالله- وهذه حال من شأنها أن تكشف عن ضعف بعض النفوس التي لا تحتمل هذه التجربة، ولا تصبر على هذا الامتحان، وهنا تكثر الأقوال التي يدّعى أصحابها دعاوى تحدّث عن موقفهم من المشركين، والمنافقين، على حين أن حالة أفعالهم أو ما فى قلوبهم، تخالف هذه الأقوال.. فكان أن بدأت سورة (الصف) بالتسبيح بحمد الله الذي هدى المؤمنين إلى الإيمان، ثم ببيان المنهج الذي ينهجه المؤمنون، كى يبقى هذا الإيمان سليما قوبا فى صدورهم..
وأساس هذا المنهج هو الأفعال لا الأقوال.. الأفعال التي تصدر عن قلب مؤمن، وعن مشاعر مستجيبة لهذا الإيمان، لا الأقوال التي لا يصدّقها العمل، ولا يزكيها الإيمان.. «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» ..
وهكذا تبدأ سورة «الصفّ» فتتصل هذا الاتصال الوثيق بسورة «الممتحنة» قبلها.