التفسير: السّمة الواضحة فى الشريعة الإسلامية أنها قائمة على السماحة واليسر، ليس فيها ما يعنت أو يرهق، وليس فيما شرع الله فيها ما يراد به العقاب والتنكيل، كما فعل الله باليهود وغيرهم ممن حادّوا الله ورسله.. كما يقول الله تعالى فيهم:«فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ»(١٦٠: النساء) .. فقد حرّم الله عليهم ما كان قد أحلّ لهم من الطيبات، وابتلاهم بهذا البلاء، ليقيمهم أبدا على خطيئة، حيث لا صبر لهم على الحرمان مما أحلّ الله لعباده من طيبات.. حرمها عليهم.
وأكثر من هذا، فإنهم- أي اليهود- حين اتخذوا العجل إلها من دون الله، بعد أن نجّاهم الله من فرعون، وفرق بهم البحر، وأنزل عليهم المنّ والسلوى- حين فعلوا ذلك أمرهم الله بأن يقتلوا أنفسهم بأنفسهم، فليس غير إراقة دمائهم شىء يقبله الله منهم، إن أرادون التكفير عن خطيئتهم، والرجوع إلى رتبهم. وفى هذا يقول الله تعالى:«وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ»(٥٤: البقرة) وفى قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» إشارة إلى ما فى شريعة الإسلام من يسر، وأن ما شرعه الله فيها، وهو مما تتقبله النفوس، وتتجاوب معه! وأن هذه الشريعة لم تحمل إلى الناس ما حملت الشرائع قبلها من الأحكام الشاقة الرادعة.