فليذكر أتباع هذه الشريعة فضل الله عليهم، إذ عافاهم مما ابتلى به الأمم من قبلهم، وليستقيموا على شريعة الإسلام، وليتقبلوا أحكامها برضى وحمد..
وأنهم إذا ضعفوا عن حمل هذه التكاليف السمحة السهلة، وتفلتوا منها، أو ضاقوا بها- فكيف كان يكون شأنهم لو أن الله أمرهم- فيما أمرهم به- أن يقتلوا أنفسهم أو يخرجوا من ديارهم؟ إن قلة قليلة منهم هى التي كانت تستجيب لهذا الأمر، وتتقبله، أما أكثرهم فلا يمتثلونه، ولا يأخذون به! وقد جمع القرآن بين قتل النفس والخروج من الديار، لأن إلف الإنسان للدار التي يسكنها، وللوطن الذي يعيش أشبه بإلف الروح للجسد، والقتل تفرقه بين الروح والجسد، وكذلك الخروج من الوطن، تفرقة بين الإنسان الكائن الحىّ، الذي يشبه الروح، وبين الوطن والدار، وهما أشبه بالجسد لهذا الإنسان.
قوله تعالى:«وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً» إلفات إلى ما تدعوهم إليه الشريعة الإسلامية مما لا مشقة فيه، ولا عنت معه، وأنه إذا ووزن بما حملت بعض الشرائع السابقة من أحكام مرهقة معنتة، لوجد رحمة راحمة، ونعمة سابغة ...
فلو أن هؤلاء المعاندين الضالين امتثلوا أوامر الله، وفعلوا ما وعظوا به لكان فى ذلك خيرهم وسعادتهم، لأنه يقيم طريقهم على الحق والإحسان، وبثمر لهم أطيب الثمر فى الدنيا والآخرة جميعا.
ولو أنهم تقبلوا شرع الله، واستقاموا عليه، لوجدوا له روحا فى أنفسهم، وتجاوبا مع مشاعرهم، وكانوا كلما مضت الأيام بهم وهم على شريعة الله ازدادوا إيمانا بها، وتثبتا من خيرها وفضلها..
ولو أنهم فعلوا هذا، وعاشوا به، واطمأنوا إليه، لأثابهم الله ثوابا عظيما،