للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليأس من رقى الرقاة، فقد تيقن أهل المحتضر أنه لا يلبث إلا قليلا حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، وها هى ذى الروح وقد بلغت الحلقوم.

وقوله تعالى: «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» بيان لمرحلة رابعة، فى مسيرة هذا المحتضر.. إنه لا يموت، ويتحول إلى عدم، كما يظن ذلك الذين يكذبون بالحياة الآخرة، بل إنه سيحيا فى عالم آخر.. فبعد خروج الروح من هذا الجسد، تنطلق إلى عالم الحق، وتساق سوقا عنيفا إلى ربها، فيلتف الساق بالساق من شدة الكرب، وثقل البلاء، لأن هذه الروح، روح إنسان لم يكن يؤمن بربه، ولم يكن ممن يصدق بآيات الله وبرسل الله، ولم يكن من المصلّين، الذين استجابوا لله، كما يقول سبحانه: «فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى، وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى» .. أي كذب بآيات الله معرضا عنها: «ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى» أي حين أعطى ظهره معرضا عن آيات الله، أقبل على أهله، ومجتمع ناديه، يمشى معجبا بنفسه، نافحا صدره، مادّا عنقه، فاردا جناحيه، كأنه القائد المظفر، وقد عاد من الميدان يسوق بين يديه الغنائم والأسرى! والتفاف الساق بالساق، كناية عن الشدة والكرب، حيث لا يقوى المرء على التحكم فى أوصاله، أو أن يضبط حركات رجليه، فهو يمشى متخالجا متماوجا، كما يمشى المصروع..

الآيات: (٣٤- ٤٠) [سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٣٤ الى ٤٠]

أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨)

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>