التفسير: وإذ جعل الله البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، وإذ جعله الله مقاما لإبراهيم ومصلّى للمؤمنين، وإذ عهد إلى إبراهيم وإسماعيل بالقيام على هذا البيت وتطهيره من أن يلمّ به رجس- إذاك توجه إبراهيم إلى ربّه أن يبارك البيت وما حوله، وأن يصيب البلد الذي يقوم حول هذا البيت ببعض نفحاته وبركاته.. هكذا الطيب يعبق ريحه، فيطيّب الأجواء من حوله.. ومن شأن هذا البيت الطهور القدس أن يجد ريحه الطيب كلّ شىء يدنو منه، من إنسان وحيوان ونبات.. فأما كنه آمنة، والناس فيها آمنون، وحيوانها ونباتها آمن، فلا يصاد حيوانها ولا يعضد شجرها، «رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً» أمنا مطلقا يصيب كل شىء.. «وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ» فهذا الرزق هو مما يكفل الأمن لأهله.. «مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» .. وفى قول إبراهيم:
«بَلَداً آمِناً» ، وقوله فى آية أخرى فى سورة إبراهيم:«رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً» ما يشعر بأن بين «البلد» و «بلدا» فرقا.. وهذا ما يحدّث عنه التاريخ، من أن إبراهيم كانت له عودة إلى البلد الحرام بعد أن ترك إسماعيل وأمه فيها.. فحين تركهما لأول مرة كانت غير معمورة، فهى «بلد» لم يكتمل بعد، فلما عاد إليها بعد مدة كانت قد أخذت تعمر فهى «البلد» ! وقد تأدب إبراهيم مع ربّه، ونظر إلى قوله تعالى «لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» فخصّ بدعائه هذا من آمن بالله واليوم الآخر، حيث لا مكان فى هذا البيت القدس لمن كفر بالله، ولكن رحمة الله تسع البرّ والفاجر، ومن طبيعة الحياة ألا يستقيم فيها الناس جميعا على صراط الله: فكان ردّ الله على إبراهيم أن سمع دعاءه فى المؤمنين، وأما من كفر فلا يحرم هذا الرزق المساق إلى البيت