وفى الإسراء إلى العالم العلوي.. يجد الرسول من آيات ربّه، ومن دلائل قدرته، وعجائب ملكوته، ما تذوب فى عباب محيطاته كل شرور العالم الأرضى وآلامه..
فلم يكن الإسراء فى صميمه، إلا رحلة روحية لرسول الله، فى عالم النور، وإلّا استدناء له إلى مواطن الرحمة واللطف.. وإن ذلك لهو الجزاء الحسن للرسول على جهاده الصّادق، فى سبيل الله، وفى قيامه على أداء الرسالة التي أرسل إليها، واحتمل ما احتمل من أجلها..
وماذا يكون للرسول من جزاء فى هذه الدنيا، على مالقى فى سبيل الدعوة من عنت وإرهاق، وما أصابه من ضرّ وأذى فى نفسه، وأهله، وصحبه؟ إن كلّ ما فى الأرض لا يقوم ببعض هذا الجزاء.. وإن الرسول الزاهد فى كل ما فى هذه الأرض، وما عليها من مال ومتاع.. فلم يكن إلا ما فى السماء، هو الذي يناسب حال الرسول، ويليق به! وقد ذكر القرآن الكريم حادثة الإسراء فى، أول سورة الإسراء..
والذي ذكره من أمر الإسراء، أنه وقع ليلا، وأن حدوده كانت من المسجد الحرام بمكة، إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، وقد وصف بالأقصى لبعده عن المسجد الحرام، فهو فى مكان قصىّ بالإضافة إلى المسجد الحرام.
يقول ابن إسحق فى سيرته: «وكان مسراه- صلّى الله عليه وسلّم- وما ذكر منه، بلاء وتمحيصا، وأمرا من أمر الله، فى قدرته وسلطانه.. فيه عبرة لأولى الألباب، وهدى ورحمة، وثبات لمن آمن به وصدّق، وكان من أمر الله على يقين.. فأسرى به كيف شاء، ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين