والحرب النفسية أداة من أدوات الحرب، وسلاح ماض من أسلحة القتال..
وكم تركت هذه الأداة من آثار سجلها التاريخ لها، فهزمت الأبطال، ومزقت الجيوش، ومكنت الفئة القليلة من أن تغلب الفئة الكثيرة..
وهل كان ميزان المؤمنين ثقيلا فى ميدان القتال، حتى ليعد الواحد منهم بعشرة من عدوهم- هل كان هذا الميزان ثقيلا إلّا لما امتلأت به مشاعر المؤمنين من إيمان بالله، وثقة فى ثوابه، وتصديق بوعده الذي وعد المجاهدين؟ وهل استخف المؤمنون بالموت، إلا لما امتلأت به قلوبهم من إيمان بالحياة الآخرة، وأن حياتهم الدنيا هذه، ليست إلا مرحلة على طريق الحياة الأبدية الخالدة؟.
النفس إذن، وما تحمل من مشاعر، هى التي تحدد موقف المحارب فى جبهة القتال، وهى التي تزين له الموت فى الميدان، أو تغريه بالنجاة والفرار..
فحبّ الجبان النفس أورده التقى «١» ... وحبّ الشجاع النفس أورده الحربا!!
فكلا الجبان والشجاع محبّ لنفسه، ولكن شتان بين حبّ وحب..
فالجبان يحب نفسه لا بسة جسده، ولو كانت مهينة ذليلة، ترعى المهانة، وتسام الخسف! والشجاع يجب نفسه عزيزة كريمة، فإنه إن رأى أنها لن تسكن إليه إلا على مركب الذل والهوان، ضنّ بها على أن تلقى الإهانة والإذلال فى هذا المقام، مقام الجسد، فأوردها مورد القتل، لتخلص من هذا البلاء، وتأخذ طريقها إلى العالم الآخر..
(١) أورده التقى: أي دفع به بعيدا عن مواطن الخطر واتقاء ما يقع للمحاربين من قتل أو أسر.