فليس بمستنكر على الحياة إذن أن يصلب المسيح! وليس بدعا أن تمتد إليه يد البغي، وأن تتمكن منه وتبلغ ما تريد فيه! فما أكثر الأنبياء الذين أصابتهم أيدى البغاة، وسلّطت عليهم قوى الشر والعدوان، فذاقوا الموت فى أمرّ كئوسه، وواجهوه فى أبشع صوره! وما أكثر الصدّيقين والأبرار الذين وقعوا صرعى فى ميادين الجهاد فى سبيل الله، فمزّقوا إربا إربا، ومثّل بهم أحياء وأمواتا! فليكن المسيح بن مريم رسول الله، واحدا من هؤلاء! فما أحد من الناس قد أخذ على الله عهدا ألا يموت، وما أحد من البشر تخيّر لنفسه الميتة التي يموت عليها! وقد حرص القرآن على أن يخلى شعور أتباعه المسلمين من كل خاطرة تخطر لهم أن «محمدا» رسول الله، بمعزل عن هذا الحكم، الذي ينزل عليه الناس جميعا، ويردون موارده.. فقال تعالى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ (١٤٤: آل عمران) إن الرسل يموتون أو يقتلون كما يموت الناس وكما يقتلون، ومحمد رسول الله واحد من الرسل وإنسان من الناس.. فليس بدعا أن يموت أو يقتل.. «قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (٩: الأحقاف)(إنك ميّت وإنهم ميتون (٣٠: الزمر) ومن أجل هذا لم يلتفت القرآن فى موقفه من أهل الكتاب، وفى تسويته لحساب المسيح عندهم- لم يلتفت إلى حادثة «الصلب» ولم يجعل منها قضية يناقشها معهم، ويفصل فيها بحكمه بينهم!