هذه هى قضية المسيح فى القرآن: أهو إله؟ .. أم هو إنسان من الناس وخلق من خلق الله؟ وإذ فصل القرآن فى هذه القضية فصلا قاطعا، وأنزل المسيح من سماء الألوهية إلى أرض البشر- إذ فعل القرآن هذا لم يلتفت من أمر المسيح إلى شىء وراءه، مما يجرى على البشر، وينزل بهم من أحداث، ويقع فى حياتهم من شئون.!
فإذا مات المسيح- على هذا الاعتبار- أو قتل فليس ذلك بالأمر الذي يجعل له حسابا خاصا دون الحساب الذي يجرى على الناس، حين يموتون أو يقتلون.
وإذا صلب المسيح، فهو واحد من كثيرين ماتوا بتلك الميته، وكما مضى المصلوبون إلى ما هم صائرون إليه، كذلك يمضى المسيح إلى مصيره! وإذا كان هناك من شىء يلتفت إليه فى هذا الأمر العارض، فهو هذا الحمق وذلك الضلال، اللذان يركبان الناس فيغريانهم بالتطاول على تلك الأيدى الكريمة الممدودة إليهم بالخير، والمبسوطة إليهم بالهدى، وأن يطفئوا بأفواههم هذا النور المتوهج فى ظلام ليلهم البهيم، وأن يمثّلوا بهذا الإنسان الطاهر البريء! إنه لا أكثر من الشعور بالحسرة والأسى، تندلع نارهما فى صدور الأخيار الأبرار من الناس، حين يصابون فى مثلهم الفاضلة، ويفجعون فى أسوتهم الحسنة، وحين يرون الشرّ يأكل منابت الخير ويفسد ثمارها! إنها وقفة.. قد تطول أو تقصر.. ثم تمضى الحياة ويمضى الناس معها فى هذا الصراع المتصل بين الحق والباطل والخير والشر، وفى هذا التدافع الدائم بين المحقّين والمبطلين، وبين الأخيار والأشرار!