يكتفوا بأن يكفروا بالقرآن، ويقولوا فيه ما يقولون، من زور وبهتان، وإنما وقفوا فى وجه من يطلبون الهدى منه، وحالوا بينهم وبين النبىّ أن يلقوه وأن يسمعوا كلمات الله منه.. وفدّم نهيهم الناس وصدّهم عن لقاء النبىّ والاستماع إليه، على نأيهم هم بأنفسهم عنه، وعزل عقولهم وقلوبهم عن لقائه، وهم إنما صدّوا أولا وكفروا، ثم كانت فعلتهم بعد هذا هى نهى غيرهم، وضمهم إلى جانبهم- ولكن لما كان صدّهم الناس عن رسول الله أمرا واقعا، وحكما قاطعا، ولم يكن أمرا مستحدثا منهم، وإنما الذي استحدثوه بعد أن أخذوا هذا الموقف لأنفسهم، هو أنهم جاءوا إلى غيرهم ليأخذوا معهم هذا الموقف الذي هم فيه- فكان من الحكمة فى لقاء المجرمين بجرمهم، أن يواجهوا أولا بما أحدثوا من جرم وهو صدّ الناس، ثم يساق إليهم بعد ذلك ما كان لهم من سابقة فى هذا الباب، وهو صدّ أنفسهم.
وقوله تعالى:«وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ» كشف للمصير السيّء الذي صيّرهم إليه هذا الموقف الذي ارتضوه لأنفسهم، من الصدود عن دعوة الإسلام، وصدّ الناس عنها.. إنهم أهلكوا بذلك أنفسهم، وأوردوها موارد البوار والخسران، وإن كانوا لا يشعرون أنهم إلى هذا المصير هم صائرون، لما استولى عليهم من غفلة، وما غشيهم من ضلال.
وإن فى قوله تعالى:«وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ» نافية، بمعنى ما.
الآيات:(٢٧- ٢٩) [سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]