هو ردّة أخرى لهؤلاء المكذبين الضالين، إلى موقف الحساب والجزاء فى الآخرة.. وفى كل مرّة يواجهون فى الآخرة، التي حشروا إليها حشرا وهم أحياء فى ديارهم وبين أهليهم- يواجهون مرحلة من مراحل الحساب فى هذا اليوم العظيم..
ففى المرّة الأولى ووجهوا بشركهم:«وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» .. ففى هذه المواجهة كشف لهم عن التهمة، وعن تلبّسهم بها، دون أن يستمعوا إلى الحكم وإلى العقوبة التي يؤخذون بها..
ثم ردّوا إلى الدنيا مرّة أخرى، ليواجهوا النبىّ من جديد بكفرهم وعنادهم وليصلوا ما انقطع، بهذه الرحلة التي حشروا فيها للحساب والمساءلة، وليلقوا النبي بما كانوا يلقونه به من تكذيب واستهزاء..
ثم هؤلاء هم يردّون مرة ثانية إلى موقف الحساب يوم القيامة، ولكن لا ليحاسبوا من جديد، فقد حوسبوا من قبل، وأسقط فى أيديهم، وقامت الحجة عليهم، وإنما ليستمعوا إلى الحكم فى جنايتهم التي جنوها على أنفسهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ» .. فهاهم أولاء على حفير جهنم، يساقون إليها سوقا عنيفا.. ولكنهم ما إن يعاينوا هذا البلاء الذي يفتح فاه ليبتلعهم، حتى يضطربوا ويفزعوا. ويقولون:«يا لَيْتَنا نُرَدُّ» ؟ وأنّى لهم أن يردّوا؟ ثم ماذا تنفعهم الرّدّة إلى الحياة مرة أخرى؟ ألم يكن فيما عرض الله عليهم من موقف الحساب والجزاء، وهم فى دنياهم التي كانوا