لتوكيد الحكم الواقع عليهم وتقريره، وإلصاقه بهم، بعد أن طال الفصل بالمفعول الأول ومتعلقاته، بين الفعل حسب ومفعوله الثاني، حيث كان مقتضى النظم أن يجىء هكذا:«ولا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا بمفازة من العذاب» . فالذين يفرحون هو المفعول الأول، وبمفازة من العذاب هو المفعول الثاني..
ولكن النظم القرآنى وحده هو الذي يحقّق المعنى الذي أشرنا إليه من قبل، وهو توكيد الحكم الواقع على اليهود وتقريره وإلصاقه بهم..
«فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ» الأمر الذي لا تجده متمكنا على تلك الصورة فى النظم الذي تمثلناه وطرحناه بين يدى النظم القرآنى.
وفى قوله تعالى:«وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» توكيد للحكم الذي أشار إليه قوله تعالى: «فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ» .. إذ أن الفعل حسب فيه معنى الظنّ، الذي يقع من جهة من ينظر إلى اليهود، فيرى أنهم أصحاب دين وأهل كتاب، وأنهم فى الوقت نفسه منحرفون فى دينهم وكتابهم، وهم من أجل هذا أقرب إلى العطب منهم إلى السلامة، وأدنى إلى النار منهم إلى الجنة..
هذا هو الحكم الذي يقع فى ظن من يراهم ويطلع على أحوالهم، وهو ظنّ أقرب إلى اليقين.. ولكنّه مع هذا حكم غير قاطع، إذ لا يملك هذا الحكم القاطع فى مصائر الناس إلا مالك الملك، وصاحب الأمر.. الله ربّ العالمين.. وقد جاء حكم الله فيهم، لتصدق ظنون الناس بهم.. «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» وليس العذاب وحده هو المصير الذي يصيرون إليه، ولكنه العذاب الأليم..
الآيات:(١٨٩- ١٩٥) [سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٩ الى ١٩٥]