- وقوله تعالى:«وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» إلفات إلى هذه النعم الكثيرة التي بين أيدينا، والتي نجدها- لو التفتنا إليها- فى كل شىء يحيط بنا.. فى الهواء الذي نتنفسه، وفى الضوء الذي تكتحل به عيوننا، وفى اللقمة نجدها على جوع، وفى شربة الماء نأخذها على ظمأ، وفى نسمة عليلة نستروحها بعد لفحة الهجير.. وفى إغفاءة بعد سهر، وفى صحة بعد مرض.. وفى نجاح بعد إخفاق.. وهكذا.. نحن فى نعم دائمة لا تنقطع أبدا.. يجدها الغنى والفقير، والقوىّ والضعيف، والمريض والسليم.. وهى من الكثرة بحيث لا نلتفت إلا إلى ما نفقده منها، ولا نشعر إلا بما بعد عنّا من وجوهها.. ولهذا جاء التعبير القرآنى عن هذه النعم بلفظ المفرد «نعمة» - «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها» .. بمعنى أن النعمة الواحدة من نعم الله، هى نعم كثيرة، لا تحصى، وأن أيّا منها- وإن بدا صغيرا- لا يستطيع الإنسان أن يؤدى لله حقّ شكره.. فكيف ونعم الله- لا نعمته- تلبسنا ظاهرا وباطنا؟ ومع هذا فإن الإنسان لا يحمد الله، ولا يشكر له، على ما أسبغ عليه من نعم، بل يرى دائما أنه مغبون.. ولهذا جاء وصف الله سبحانه وتعالى له بقوله:«إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» .. أي أنه يظلم نفسه بحجزها عن مواقع الهدى، وبحجبها عن مطالع الخير، فلا يرى ما لله عليه من فضل، فيكفر بالله، ويرد موارد الهالكين..
الآيات:(٣٥- ٤١) [سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٥ الى ٤١]