للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على خلافته فى هذه الأرض ومكنّ لهم من أسباب الحياة فيها، فبسط الأرض، وأنزل عليها من السماء ماء، وأجرى فيها الأنهار، وفجر العيون، وسخّر ما فى السموات من كواكب، ونجوم، وما فى الأرض من عوالم وكائنات. وأودع فى الإنسان عقلا، يقدر به على أن يهتدى إلى مواطن النفع من هذه الموجودات، وأن يقيم منها هذه الدنيا، التي نسج من خيوطها هذا الثوب الجميل الذي تزدان به، كما تزدان العروس فى ليلة عرسها.

هذا، وليس المراد بقوله تعالى: «وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» أن كل إنسان قد أوتى سؤله، واستوفى كل مطلوبه من دنياه، فهذا- وإن بدا فى ظاهره أنه خير- هو فى حقيقته آفة تغتال مطامح الإنسانية، وتقتل آمالها، وتدفن ملكاتها.. إذ لو توفرت لكل إنسان حاجته، لما جدّ وسعى، ولما تفتق عقله عن هذه العلوم والمعارف، التي كشف بها أسرار الطبيعة، وأخرج المخبوء فى صدرها، وأقام له سلطانا على هذا الكوكب الأرضى، الذي جعله الله خليفة عليه..

وإنما المراد بقوله سبحانه: «وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ» - هو الإنسانية كلها فى مجموعها، وأن ما سخر الله لها من عوالم السموات والأرض، وما أودع فيها من قوى التفكير والتدبير، هو بمنزلة إعطاء الناس كل ما أرادوا..

فبين أيديهم كل ما يحتاجون إليه.. وليس عليهم لكى يحصلوا على ما يريدون إلا أن يعملوا، ويجدّوا فى العمل، وأن يديروا عقولهم على هذه الموجودات، وأن يلقوا بشباكهم فى كل أفق، فتجيئهم ملأى، باللئالئ والأصداف، والدرّ والحصى! وهذا يعنى أن هذه الدنيا ليست للإنسان وحده، وإنما هى للإنسانية كلها، وأن الناس فى مجموعهم أشبه بالجسد الواحد، تتعاون أعضاؤه جميعا على حفظ هذا الجسد، وصيانته، وتوفير أسباب الحياة الطيبة له..!

<<  <  ج: ص:  >  >>