استبان له من عنادهم ولجاجهم، ومكرهم بآيات الله ومعجزاته، أنهم لن ينتفعوا بتلك الآيات، ولن يجدوا فيها طريقا يهديهم إلى الحق- لمّا تبين له ذلك من بنى إسرائيل ولمسه لمسا واقعيا، نقض يده منهم، واعتزلهم بمن آمن به، وأخلص الإيمان فى سره وعلنه.. فنادى فى القوم «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» فى الانجاء إليه، بنيّة صادقة وقلب سليم؟ فأجابه الحواريون، وهم تلاميذ المسيح وخلصاؤه الأولون، الذين سكنوا إليه، وتركوا كل ما فى أيديهم من أهل ومال:«قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»
وكانت عدتهم اثنى عشر حواريّا، بعدد أسباط بنى إسرائيل الاثني عشر.
قوله تعالى:«رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» هذا القول يمكن أن يكون لكل من يستمع آيات الله، وما أنزل على رسوله من كلماته، فيرى فيها نور الحق، ويستروح منها روح اليقين، فيؤمن بالله وبرسوله بالغيب، من غير أن يرى الرسول، أو يستمع إليه، ويقول مع المؤمنين:«رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» أي اجعلنا فى عداد الذين شهدوا الرسول وآمنوا به، وهذا هو الوجه الأقرب إلى منطق الآية الكريمة.. كما يمكن أن يكون تتمة لمقول القول الذي نطق به الحواريون، إجابة لعيسى عليه السّلام.
الآيتان:(٥٤- ٥٥) [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]