التفسير: قوله تعالى: «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ» المكر الذي مكره اليهود هو ما بينوه من أمر المسيح، وتدبيرهم التّهم لمحاكمته، وصلبه، وإقامة شهود الزور عليه، بأنه مشعوذ، ومفتر على الله، ومدّع أنه المبعوث ملكا على اليهود.. وقد انتهى أمره معهم إلى أن قدموه للمحاكمة، وشهدوا عليه زورا أمام الحاكم الرومانى «بيلاطس» الذي كان حاكما عليهم، فحكم عليه- حسب شريعتهم- بالصّلب.
والصلب لا يحكم به فى شريعة اليهود إلا على من جدّف على الله، وكفر به، وبهذا يستحق اللعنة والطرد من رحمة الله، ومن الدخول فى ملكوته! والصلب هو العقاب الدنيوي المعجّل- عند اليهود- لمن كفر بالله، وهو رمز على تلك اللعنة التي حلّت بهذا الكافر بالله.. وفى التوراة:«ملعون من علّق على خشبة»(تثنية: ٢١) أي صلب.
فالصلب فى حقيقته تجريم دينىّ لمن يحكم عليه به، ولعنة تصحب المصلوب إلى العالم الأخروى، وتأخذ عليه السبيل إلى ملكوت الله! ذلك هو مكر اليهود بالمسيح.
كانوا فى شك من أمره.. إذ يرون معجزاته القاهرة تملأ عليهم الزمان والمكان اللذين يحتويانهما.. ولكنهما كانوا- من جهة أخرى- ينتظرون مسيحا مخلصا لهم- حسب تأويلهم لشريعتهم- وكان مسيحهم الذي ينتظرونه على صورة- فى وجدانهم- غير صورة المسيح عيسى، الذي جاءهم.. فمسيحهم الذي ينتظرونه هو ملك يخلصهم من الحكم الأجنبى، ويعيد