هذه الآية تفرد الذين آمنوا وثبتوا على إيمانهم، واجتازوا المحنة، ونجوا من الفتنة- تفردهم بذكر خاص، وتنوّه بهم، وتدنيهم من رحمة الله ورضوانه، وذلك فى مواجهة أولئك الذين واجهوا المحنة فلم يصبروا ولم يصابروا، ففروا من ميدان المعركة تاركين دينهم الذي ارتضوه سلبا ملقى فى ساحة الحرب! هذا وفى الآية الكريمة:
أولا: قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فصل بين الذين آمنوا وبين الذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله، فلم يجعلهم نسقا واحدا داخلا فى صلة الموصول الأول، بل أفردهم بذكر خاص، فكأن الذين آمنوا صنف، والذين هاجروا وجاهدوا صنف آخر.. ولو كانوا صنفا واحدا لجاء النظم هكذا:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا. ولكن هكذا جاء نظم القرآن بجلاله وروعته وإعجازه، ليضع موازين الحق فيما يقول.. فالمؤمنون- مطلق الإيمان، بلا هجرة ولا جهاد- هم صنف وحدهم فى المؤمنين.
والمؤمنون المهاجرون المجاهدون، هم صنف آخر يختلف عن الصنف الأول بميزات وفضائل.. ويحق لهم بهذه الميزات وتلك الفضائل أن ينوه بهم، ويرفع شأنهم بين المؤمنين. إذ الإيمان بلا عمل نبات لا ظل له، ولا ثمر فيه.
ثانيا: قوله تعالى: «أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ» وضع الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله موضع الرجاء من رحمة الله، ولم يعطهم الثواب والمغفرة والرضوان على القطع والتحقيق، وذلك ليقيمهم من هذا الرجاء