وقد يبدو هذا الموقف الذي وقفه القرآن الكريم من أمر «الصلب» وإغفاله له، تسليما به، وبالمعتقد الذي قام عليه، وهذا يعطى لأصحاب هذا المعتقد القائم على صلب المسيح حجة على القرآن بأنه لم يواجههم مواجهة صريحة فى هذه القضية، ولم يأخذ عليهم معتقدهم فى أن المسيح قد صلب! ونقول- كما قلنا من قبل- إن القرآن لا يعنيه كثيرا أن يكشف حقيقة هذا الحدث، وأن يقيم الناس على رأى فى أن المسيح صلب، أو أنه لم يصلب، فذلك الأمر على أي وجهيه وقع- لا يقدم ولا يؤخر فى أصل القضية التي ينازع فيها القرآن، أولئك الذين يعتقدون فى بنوّة المسيح لله، أو ألوهيته! فالمسيح إله، أو ابن إله.. كما يقولون ويعتقدون.
والمسيح ليس إلها ولا ابن إله، وإنما هو عبد من عباد الله ورسول من رسل الله.. كما ينطق الحق، ويحدّث القرآن! .. هذا هو أصل القضية..
فإذا فصل فيها القرآن على هذا الوجه الذي ارتضاه فى المسيح، فقد فصل ضمنا فى هذه الجزئية العارضة من حياة المسيح، وهى الصلب، ومن ثمّ يكون القول بصلب المسيح أو عدم صلبه سيان.. فهو إنسان من الناس وليس موته على أية ميتة كانت، بالذي يحدث له وضعا جديدا فى الحياة، أو بالذي ينشىء له فى النفوس مكانا يقوم عليه دين وتستند إليه عقيدة.
إن القرآن إذ يواجه أتباع المسيح، لم ير فى حديثه إليهم عن حادثة الصلب التي يؤمنون بها ويقيمون معتقدهم عليها- لم ير فى هذا الحديث جدوى، لأن هذا الحديث لا يعنى فى نظر الدعوة الإسلامية أكثر من أنه خبر من أخبار التاريخ، لا يتعلق بوقوعه أو عدم وقوعه شىء يتصل بالعقيدة فى ذات الله..
إنه مثل الحديث عن أصحاب الكهف، وعن ذى القرنين، واختلاف الناس فى شأنهم وفيما يروى من أخبارهم.. فإذا قال القرآن فى مثل هذه الأخبار قولا