وقوله تعالى:«قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً» هو استدعاء لهؤلاء المكابرين المعاندين، الذين ينظرون إلى هذا الوجود على أنه لهم وحدهم، وأن كل ما فيه تبع لأهوائهم:«وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ»(٧١: المؤمنون) .. فإذا سمع هؤلاء المكابرون هذا النّداء، وقيل لهم:«أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً» عندكم، تأخذون بشهادتهم عليكم، فى الحكم بينى وبينكم فيما أدعوكم إليه، من الإيمان بالله، وأنى رسول الله إليكم، أحمل إليكم كلمته، وأوجه وجوهكم وقلوبكم إليه؟ ما الشاهد الذي تكبرون شهادته، وتنزلون على ما يشهد به؟
ولا يمهلهم الله أن يجيبوا، لأنهم لا يجيبون إلّا ضلالا، ولا يقولون إلا زورا وبهتانا، بل يلقاهم بالشاهد الذي إن لم يقبلوا شهادته اختيارا قبلوها قسرا واضطرارا، لأنه الشاهد الذي يحكم ولا معقب لحكمه، والقاضي الذي يقضى ولا راد لقضائه.. إنه هو الله ربّ العالمين.
«قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» .
هذا هو الشاهد، والحكم بينى وبينكم، فردّوا عليه شهادته إن استطعتم! وقوله تعالى:«وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» تلك هى القضية التي بينى وبينكم، وقد أدليت بشهادتى فيها، بين يدى أحكم الحاكمين..
«وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ» من ربّ العالمين «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ» وأحذركم من عذاب يوم عظيم، إن أنتم لم تصدقوا برسالتى، ولم تؤمنوا بما بين يدىّ مما أوحى إلىّ، ولست رسولا إليكم وحدكم، بل إن رسالتى إليكم وإلى كل من تبلغه، وتصل إليه بلساني، أو بلسان من يدعو بها، فهى رسالة عامة للناس جميعا، فمن بلغته ولم يؤمن بها، فقد حقّ عليه ما حقّ على الكافرين منكم «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ» وفى عطف قوله تعالى: «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ» على قوله تعالى: «اللَّهُ