للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» هو بيان للحكمة فى تعدد الشرائع السماوية، وتعدد الكتب التي جاءت بها، والرسل الذين حملوها.. إذ كان لكل أمة زمانها ومكانها، وللزمان والمكان، أثره فى الأمم، وفى اختلاف مناهجها فى الحياة، وأساليبها فى العمل.. فكان أن حمل رسل الله إلى كل أمة قبسا من شريعة الله، مقدورا بقدرها، محسوبا بحسابها، وما يلائم طبيعتها، وظروف زمانها ومكانها.. وهى جميعها (أي الشرائع) تستقى من شريعة واحدة، وتورد أتباعها على مورد من مواردها..

وفى قوله تعالى: «شِرْعَةً» ما يشير إلى أنها مقطع من مقاطع الشريعة العامة، التي جاء بها القرآن الكريم، وأن تلك الشرعة ما هى إلا مورد ترده الأمة على نهر الشريعة العامة، فتستقى منه، وتحمل بقدر ما تحتمل..

وفى قوله تعالى: «وَمِنْهاجاً» إشارة أخرى إلى اختلاف الأمم والشعوب، وأنها لا يمكن أن ترد موردا واحدا، على الشريعة العامة، وأن تحشر حشرا على مورد واحد منها.. لاختلاف الطبيعة، واللغة، وغيرها مما يجعل لكل أمة وجهها الذي تظهر به فى. الحياة، فاقتضت حكمة الحكيم العليم أن يقيم كل أمة على مورد من شريعته.

وقوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» أي لو أراد الله سبحانه أن يجعل الناس أمة واحدة، تلتقى على مشاعر واحدة، ولغة واحدة، لفعل، فما لمشيئته من معقّب، أو معترض، ولكنه سبحانه حكيم عليم، اقتضت حكمته، وشاءت إرادته أن يجعل الناس أمما وشعوبا، كما جعلهم أفرادا، وكما جعلهم ذكرا وأنثى..

وقوله سبحانه: «وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ» أي ولكنه سبحانه وتعالى لم يجعلكم أمة واحدة، كما لم يجعلكم كائنا واحدا، ليكون لكل أمة حسابها،

<<  <  ج: ص:  >  >>