هكذا أدب السماء مع الأصفياء من عباد الله، وهكذا ألطاف الله مع رسول الله.
ورسول الله خير من يلقى هذا اللطف بما هو أهل له من حمد وشكر، وسيّد من يقوم لهذه الإشارة بما تقتضيه من جدّ وعزم..
فما وهن الرسول الكريم، وما ضعف عن حمل الرسالة، واحتمال ما تنوء به الجبال من أعبائها.. فلكم لقى من السفهاء، والحمقى، والطغاة، من بغى وعدوان؟ حتى لقد خرج مهاجرا من البلد الحرام، الذي عاش فيه شبابه، وقضى فيه أيام صباه، بين أهله وعشيرته، وألقى بنفسه فى أحضان الغربة، فرارا بالرسالة التي بين يديه أن يمسكها المشركون عن أن تبلغ غايتها، وتملأ أسماع العالمين بهديها، وتفتح مغالق القلوب بنورها.
وقوله تعالى:«وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» هو من تمام نعمة الله سبحانه وتعالى على نبيّه الكريم، فهو- سبحانه- قد اصطفاه ليكون رسولا للعالمين، حاملا مختتم رسالات السماء إلى الناس.. ثم لم يدعه سبحانه- يحمل أعباء الرسالة، ويلقى الضرّ والأذى فى سبيلها دون أن تكون أمداد سماوية تعينه، وتحمل عنه بعض ما يحمل من أعباء، وكلّا.. فقد أمده الله بأمداد من الصبر واليقين، والعزم، وإذا هو- صلوات الله وسلامه عليه- يواجه قريشا كلها بصلفها وكبرها، وبجبروتها وعتوّها، فلا يلين لها، ولا يحفل بتهديدها ووعيدها.. ثم إذا هو- صلوات الله وسلامه عليه- يخوض غمرات الحرب، ويتقدم صفوف الأبطال والفرسان، ثم إذا هو- صلوات الله وسلامه عليه- يلقى كيد اليهود ومكرهم، ملاطفا وموادعا، حتى إذا لجّوا فى الضلال، وتمادوا فى الكيد والبغي، صدمهم صدمة ألقت بهم خارج الجزيرة العربية كلها.