للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخيار من عباده.. فينشرح لذلك صدره، وتنتعش روحه، ويجد فى هذا جزاء طيبا يستقبله من عند الله، وهو يوشك أن يحطّ رحاله بعد هذه الرحلة الطويلة المضنية.

ثانيا: أن انكشاف عواقب الأمور قبل أن تقع، يقطع على الإنسان طريقه إلى العمل والكفاح، ويسلمه إلى استسلام أشبه باليأس، انتظارا للمقدور الذي يسعى إليه، كما ينتظر راكب القطار مجيئه فى موعده المحدد.

إن فى انتظار المجهول إيقاظا للمشاعر، وحفزا للهمم، وتشوّقا إلى ما تكشف عنه الأيام.. فمن يعمل لغاية لا يدرى ما عاقبة أمره فيها، باذلا جهده فى التمرس بالأسباب، هو ممسك بوجوده كله، ينتظر ثمرة عمله، وغاية سعيه الموصلة لها..

إنه إن بلغ الغاية حمد وسعد، وإن لم يبلغها فقد أعذر لنفسه، ورضى عن مسعاه، وإن لم يحصّل منه ما يريد..

فكيف بالرسول، وقد حمل الرسالة، وواجه بها النّاس جميعا، متحدّيا عقائد فاسدة، ومتصديا لقلوب مريضة، وعقول مظلمة، وطبائع صلدة متحجرة؟ كيف به وقد بلغ بصبره، وجهاده، وعزمه، ما أراد الله لدعوته أن تبلغ؟ إنها سعادة ورضى، وحمد وشكر.. كل أولئك لو قسم فى الناس جميعا لوسعهم واشتمل عليهم.

وفى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» إشارة إلى تلك العصمة التي عصم الله بها النبي من الناس، وأنه سبحانه لا يهدى الكافرين إلى طريق الحق، كما أنه سبحانه لا يهديهم إلى الطريق الذي يخلص منه إلى النبي أذى على أيديهم.. فقد سدّ الله عليهم المنافذ التي يبلغون بها ما يريدون به من أذى.. «إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» (٣: الطلاق) .

<<  <  ج: ص:  >  >>