ينزل القرآن، أي حتى يتمّ نزوله، فإن بقي فى أنفسهم شىء لم يبينه القرآن لهم، كان لهم أن يسألوا.
فقوله تعالى:«ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ» هو بيان لحكم شرعىّ، جاء فى مرحلة متأخرة من حياة الدعوة الإسلامية، وقد عاش المسلمون زمنا وهم متلبسون بهذه الأشياء، لم ينكروها على من أخذ بها منهم، إذ لم يكن قد جاء حكم شرعىّ فيها بعد..
فهذه السوائم، قد عقد العرب فى جاهليتهم معها روابط وصلات، أشبه بالعهود والمواثيق.. قد ألزموا أنفسهم حيالها أمورا اتخذت صبغة عقائدية، لا يمكن أن يتحلّلوا منها..
فإذا ولدت الناقة كذا، أو الشاة كذا، أو علق من الفحل كذا وكذا من النّوق.. أو نحو هذا- كان أمرا لازما أن يمضى الرجل منهم ما جرت به تلك العادة التي اعتادوها، فإن لم يمضها توقّع أن يحلّ به البلاء، وتنزل به المكاره، فى نفسه، أو ولده وأهله، أو ماله.. كأنّ قوى خفيّة وراء هذه السوائم، تقتصّ لها، وتأخذ بحقها ممن نقض ميثاقه معها.. وهذا مدخل كبير من مداخل الشرك بالله، وذريعة من الذرائع المؤدية إليه.
وقوله تعالى:«ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ.. الآية» نفى لهذه المعتقدات السيئة القائمة بين الناس، وأنها لم تكن مما شرع الله، ولكنها ممّا ولدته الأهواء المضلّة، وأملته العقول المظلمة.. وفى قوله تعالى:«وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» بيان لموقع هذه المنكرات من الحق، وأنها أبعد ما تكون منه، إذ هى من مفتريات الكافرين وأباطيلهم، يضيفونها كذبا إلى الله، وينسبونها زورا إلى دينه.. «وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» .