جاءهم به الشاهدان من عند صاحبهم، ثم ارتقى هذا الشك والارتياب إلى التهمة، ثم النزاع والخصام، فإن للقضية وجها آخر.. بل وجهين آخرين:
والوجه الأول، هو أن يدعى الشاهدان إلى الحلف على ما أشهدهما عليه الميت، وما حملهما من مال ومتاع..
وحلف الشاهدين مشروط بشرط، وهو أن يدعيا بعد الصلاة مباشرة، وهما خارجان من بين يدى الله، قبل أن يتلبّسا بشىء من أمور الدنيا، وذلك ليكون لهذا الموقف أثره فى إقامة شهادتهما على الحق والعدل، أو على ما هو أقرب إلى الحق والعدل..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ» .
فحبسهما من بعد الصلاة، هو إمساكهما قبل أن يتّصلا بالحياة العامة، ويباشرا شئونا مختلفة فيها.. حتى يكونا أقرب إلى الخير، وأبعد من الضلال.
وقد اختلف فى الصلاة التي يحبسان بعدها، أهي صلاة العصر، أو صلاة الظهر؟ ..
والرأى، أنها أي صلاة، حيث أطلق القرآن ذلك، ولم يقيده.
وقوله تعالى:«إِنِ ارْتَبْتُمْ» هو جملة اعتراضية، أريد بها بيان الحال الدّاعية إلى حلف الشاهدين، وهى الشك والريبة فى شهادتهما..
وقوله تعالى:«لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ» هو بيان لنصّ الحلفة التي يحلف بها الشاهدان.. وفيها من التوكيد والتحذير والتخويف، ما يجعل لهذه الحلفة أثرا واقعا فى نفس الشاهدين..