فمن أنطقه؟ ومن أعطاه تلك الكلمات البيّنات؟ ومن منح لسانه هذه القدرة على النطق بها فصيحة مبينة؟ أليس ذلك برهانا مبينا على أن ما نطق به هذا الوليد، هو إشارة إلى أنه آية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته، تشهد بأنه رسول من الله رب العالمين؟
وإذا لم يكن فى هذا النطق آية متحدّية، يشهدها بنو إسرائيل، أفلم يكن إحياؤه الموتى، وإبراؤه الأكمه والأبرص، وخلقه من الطين طيرا.. أفلم يكن فى هذه الآيات المتظاهرة ما يقيم لبنى إسرائيل طريقا إلى الإيمان بهذا الإنسان الذي أجرى الله على يديه تلك المعجزات، وإلى أنه رسول الله، يحمل إليهم كلمات الله وآياته؟
وبأى شىء يؤمن الناس إذا لم يؤمنوا بتلك الشموس الطالعة، لا يحجبها سحاب أو ضباب؟ وبأى داع يدعوهم الله سبحانه إليه، إن لم يكن فى هذا الداعي مقنعا لهم، وهاديا يهديهم إلى الله؟
إنه ليس بعد هذا إلا أن يروا الله جهرة..!
وقد فعلها بنو إسرائيل من قبل، فقالوا لموسى:«لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً»(٥٥: البقرة) .
ألا ما أشدّ غباء القوم، وما أقسى قلوبهم، وما أنكد حظهم من البصيرة والأبصار! «وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً»(٤٤: المائدة) .
هذا، وقد توسعنا فى معنى هذه المعجزات فى الآيات الواردة فى سورة آل عمران (٤٨- ٥٠: آل عمران) .. فليرجع إليها من شاء.
وفى قوله تعالى:«وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» إشارة إلى ما أبطل الله سبحانه