للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول يبلغ ما أمره به ربّه، وقد بلّغ رسالة ربّه، كما أمره بها: «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ» .. فالمسيح عبد لله، كما أنهم عبيد له.. ومن كان عبدا لله فليس له إلى الألوهية سبيل.

وقوله: «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» هو توكيد لبراءة عيسى مما تقوّله عليه أتباعه، وأنه كان عليهم شهيدا مدّة وجوده معهم، يقوّم انحرافهم، ويصحح معتقدهم، فلما قبضه الله إليه، انقطع اتصاله بهم، وبما أحدثوا بعده من هذه المعتقدات الفاسدة فيه، وفى أمّه.. وأنه إذا كان المسيح لم يعلم شيئا مما أحدثوا من بعده، فذلك ما لا يغيب عن علم الله، فقد علمه الله منهم، وأحصاه عليهم، وهاهم أولاء بين يديه يلقون جزاء ما صنعوا..

والشهيد: من يرى ما يقع فى محيط حواسه.. مما يدانيه ويختلط به..

والرقيب: من يرى من مكان عال، وهو المرقب، حيث ينكشف له ما لا ينكشف لغيره..

ولهذا كان التعبير فى جانب المسيح، بالشهيد، والتعبير فى جانب الله، بالرقيب.. وهذا تمثيل، ولله سبحانه وتعالى المثل الأعلى.

ثم كان من تمام هذا التمثيل قوله: «وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» أي تطلع على كل شىء قريب وبعيد، ظاهر وخفى، اطلاع شهادة وحضور.

وقوله: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» هو تفويض لله سبحانه وتعالى للقضاء فى أمر هؤلاء، الذين حملوا أوزارهم على ظهورهم، وأحاطت بهم خطيئتهم..

فإلى الله سبحانه وتعالى أمرهم، لا شفاعة لأحد فيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>