وإن العقل إذ يواجه المسيح، فإنما يواجه منه شخصية تاريخية، لها وجود مادى محقق، رآها الناس رأى العين، كما يرون أنفسهم.. فالمسيح هو «يسوع» الذي ولد فى قرية الناصرة من مقاطعة الجليل، بأرض اليهودية، من بلاد الشام، وأمه «مريم» ، وأبوه الذي ولد على فراشه، ونسب إليه، هو «يوسف» .. وكان مولده إبان حكم الرومان لبلاد الشام فى السنة الثالثة أو الرابعة أو السابعة قبل الميلاد، على خلاف فى تحديد السنة التي ولد فيها.
والتاريخ يتحدث عن «يسوع» أنه ولد ميلادا طبيعيا، حملت به أمّه مدة الحمل المعتاد للناس، فاحتواه رحمها تسعة أشهر، وأرضعته من ثدبيها، وكفلته كفالة الأمهات لأطفالهن. ثم كان له صبى، وشباب، وكهولة، وطريق فى الحياة يسلكه، ورسالة يقوم عليها، وأنه فى سبيل هذه الرسالة- شأنه شأن أصحاب الرسالات- قد دخل فى صراع مع القائمين فى طريقه، والمتصدين لرسالته، حتى انتهى به الأمر إلى الموت صلبا! هذا هو مجمل الصورة التي تقع لعينى من يطالع حياة يسوع «المسيح» ويقرأ ما سطر التاريخ من سيرته! إنه إنسان قبل كل شىء، وفى كل شىء؟ لم تفكر أمّه التي امتزج دمها بدمه، ولحمها بلحمه، وخالطت روحها روحه، وأنفاسه، لم تنكر شيئا من أمره، ولم تر فيه غير ما ترى الأمهات من أبنائهن، وإن كانت مخايل النبل، والطهر والحكمة تفوحان من أردانه! إنه بكرها، وواحد من أولادها، الذين استقبلتهم بعده «١» ! .. ولو أنها
(١) كان للمسيح إخوة من أمّه «مريم» ومن زوجها يوسف بن هالى، كما تحدث بذلك الأناجيل، بقول صريح قاطع.