وكان الجدير بهم- لو عقلوا- أن تتأثر وجداناتهم بهذه الإثارات التي تتغيّر بها معالم الوجود فى أعينهم، حين ينقلون من الدنيا إلى الآخرة، ثم يردّون من الآخرة إلى الدنيا.. ولكنهم ظلوا على حال واحدة، حتى لكأنهم أحجار لا تحسّ ولا تعقل.
وفى قوله تعالى:«وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» استحضار لهؤلاء المشركين الضالين من موقف الحشر، الذي نقلتهم إليه الآيات القرآنية السابقة نقلا قاهرا، وأحضرتهم مشاهد المحاكمة والمساءلة- إلى ما كانوا فيه من مواجهة النبىّ، وتحدّيه، وتكذيبه، والاستهزاء به..
فمن هؤلاء المشركين الضالين من يستمع إلى النبىّ، وما يرتّل من كلمات الله، ولكنه استماع لا يحدث فيهم أثرا.. فلا تنفذ كلمات الله إلى آذانهم، ولا تبلغ مواطن الإحساس من قلوبهم، فقد أصمّ الله آذانهم، وأعمى قلوبهم..
«إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» . (٥٧: الكهف) والأكنّة جمع كنان، مثل قناع وأقنعة، وزنا ومعنى، أي أنه ضرب على قلوبهم حجاز يقطع ما بينها وبين موارد العالم الخارجي، فلا تحسّ شيئا، ولا تنفعل لشىء.
والوقر: الصمم يصيب حاسة السّمع.
فقد ختم الله على قلوب هؤلاء القوم، وعلى سمعهم، فلا يسمعون خيرا، ولا يعقلونه، فهم- والحال كذلك- لن يهتدوا أبدا، «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها» .. «وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ»(٤١: المائدة) .
وختم الله على القلوب، هو تركها على ما هى عليه من ضلال وعمى.. دون أن يمدّها بأمداد لطفه، وعونه، إذ كانت هى لا تستجيب لخير، ولا تتقبل هدى: «وَلَوْ عَلِمَ