ومعنى يصدفون: أي ينصرفون، ويميلون عن الحق الذي تحمله آيات الله- إلى ما يشتهون من الباطل والضلال.
وفى هذا المقطع من الآية الكريمة تشنيع على هؤلاء الضالّين، وفضح لسفاهتهم، على أعين الناس، ودعوة لكل ذى عقل أن يرى ويحكم.
وقوله سبحانه:«قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ» استحضار لهؤلاء المشركين فى موقف آخر من مواقف المساءلة، ومواجهة العذاب المعدّ لمن يدينهم الحساب فى هذا الموقف، بعد أن ذكّروا بنعم الله التي تلبسهم ويلبسونها، والتي إن سلبها الله إياهم لم يكن لقوة فى الوجود أن تأتيهم بها..
وهنا فى هذا الموقف، هم مجرمون، قد حكم بتجريمهم من قبل، وها هم أولاء يهدّدون بعذاب الله، الذي يؤخذ به كل متكبر جبار، وأن هذا العذاب غير موقوت بوقت لديهم، وإنما أمر ذلك إلى الله، فقد يأتيهم على حين غفلة، من حيث لا يشعرون أو يتوقعون، كما فعل ذلك بقوم لوط وقوم عاد، أو قد يأتيهم العذاب بعد أن ينذروا به، ويحدّد لهم وقته، تلميحا، كما فى قوم نوح، أو تصريحا، كما فى قوم صالح، إذ يقول الله تعالى:«فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»(٦٥: هود) .
وفى قوله تعالى:«هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ» دفع بهم إلى يد الهلاك، ليلحقوا بالظالمين، الذي أهلكهم الله من قبل، ودمدم عليهم بذنبهم.. فتلك سنّة الله فى الذين خلوا من قبل.. وأنه إذا كان سبحانه وتعالى لم يعجّل لهم الهلاك، ولم يوردهم موارد الظالمين، فذلك إملاء لهم، ومظاهرة لحجة الله عليهم،