بالله عن طريقهم.. وهؤلاء الذين اتبعوا الرسل وآمنوا بالله، وعملوا الصالحات، قد فازوا وسعدوا، وأمنوا من هول يوم القيامة، ولم يقع فى نفوسهم حزن وحسرة على فائت فاتهم من حظوظ لدنيا، وخير الآخرة..
فما فاتهم فى الدنيا مما كان يعدّه المشركون بالله نعيما استهلكوا فيه أنفسهم، هو رذل خسيس إلى جانب النعيم المقيم المعدّ لهم فى جنات الخلد، أما خير الآخرة فلم يفتهم منه شىء. فقد آمنوا بالله، وهذا هو رأس كل خير.. ثم هداهم الإيمان إلى الأعمال الصالحة، التي ترضى الله الذي آمنوا به، وتدخلهم فى جنّاته.
وقوله تعالى:«وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» هو كشف للوجه الآخر من دعوة الرسل، وأنه إذا آمن بهم كثير من الناس، فقد كفر بهم كثير من الناس أيضا.. ولكل من المؤمنين والكافرين حسابه وجزاؤه..
وقد بينت الآية السابقة عاقبة المؤمنين وجزاءهم، وأنه لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون..
وأما الذين كفروا وكذبوا بآيات الله، فأولئك «يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» .
والفسوق، هو الخروج، يقال فسق الفرخ من البيضة: إذا خرج منها، والفاسق هو من يخرج عن حدود الله، وفى هذا يقول الله تعالى عن إبليس «إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» .
وفى قوله تعالى:«يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ» إشارة إلى أن عذاب الله شديد لا يطاق، وأن مسّة من هذا العذاب، تحيل حياة من تصيبه إلى شقاء دائم، وبلاء متصل.. نعوذ بالله من عذاب الله.