للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين من زعماء قريش، الذين كانوا يأخذون على النبىّ أنه لا يألف إلا هؤلاء الفقراء المستضعفين، ولا يألفه إلا هؤلاء.. وأن مجلسا يضم مثل تلك الجماعة فى فقرها، وضعفها، ليأنف زعماء قريش أن يكون لهم مكان فيه..

ولهذا جاء النهى إلى النبىّ الكريم، ليقرع أسماع المشركين، وليريهم أن محمدا لن يتخلى أبدا عن هؤلاء الفقراء الذين تزدرى أعينهم، وأنه إذا كان ألف صحبة هؤلاء الفقراء وأنس بهم قبل أن يتلقى أمر ربه بشأنهم- فإنه الآن وقد جاءه من ربّه هذا النهى الذي يلبس صورة الأمر بالحفاظ على تلك الجماعة الفقيرة المؤمنة، وملء يده منها، وإعطائها وجهه كله- إنه لن يتخلّى أبدا عن تلك الجماعة، ولو وقعت السماء على الأرض.. إنه لن يعصى أمر ربّه، ولن يخرج عنه بحال أبدا.. هذا ما تعرفه قريش فيما عرفت من محمد، وأخذه بكل كلمة جاءته من ربه، أو يقول أنها جاءته من ربه، كما تزعم قريش.

إذن، فهذا النهى هو كبت لقريش، ولزعمائها خاصة، واستخفاف بهم، وأنهم أقلّ شأنا، وأخفّ ميزانا عند الله الذي يدعوهم محمد إليه، وأن حساب النّاس فى هذا الدين الذي يدعو إليه، ليس بجاههم وسلطانهم، وأنسابهم، وأحسابهم، وإنما هو مائدة ممدودة من الله لعباد الله، فمن أخذ مكانه منها، لم يكن لأحد أن يزحزحه عنه.. إنه فى ساحة الله، وعلى مائدة الله..

وعلى ما تطول يد الإنسان من هذه المائدة يكون حظه من الخير، ومكانه من الله..

وفى قوله تعالى: «ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» - فى هذا بيان كاشف لحساب الناس عند الله، وأنهم عنده بأعمالهم، لا بأحسابهم وأموالهم..

وهذا هو النبىّ الكريم، حامل رسالة السماء، ومبعوث ربّ العالمين،

<<  <  ج: ص:  >  >>