للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى قوله تعالى: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ» (١١: الأحقاف) .

وقوله تعالى: «وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» هو بيان لهذا الموقف الذي وقفه سادة قريش وكبراؤها من دعوة الإسلام، وأنهم إنما ضلّوا الطريق إلى الإيمان بالله بسبب أنّ جماعة من المستضعفين والفقراء قد سبقوهم إليه، فقد كان ذلك فتنة لهم، وكان لسان حالهم يقول ما حكاه القرآن عنهم: «أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟» يقولونها تهكما وسخرية.. إذ كيف يختار الله لدينه منهم من هم أنزل الناس منزلة فيهم؟

وقد ردّ الله عليهم بقوله: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ» .. فالله سبحانه وتعالى هو الذي اختار هؤلاء الذين سبقوا إلى الإسلام، ودعاهم إلى مائدته، وأقامهم فى الصفوف الأولى منها، لما علم سبحانه وتعالى من قبولهم لدعوته، وشكرهم لفضله ونعمته. أما هؤلاء السادة المتكبرون، فليسوا أهلا لأن يدعوا من الله، ولا أن يكونوا فى السابقين إلى مائدة الإسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ» .

(٢٣: الأنفال) .

قوله تعالى: «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» - هو بيان لوجه كريم من وجوه الدعوة الإسلامية، وأنها لا تصدّ أحدا يرد شريعتها، ويريد الارتواء منها.. وهؤلاء الذين وقفوا من النبىّ ومن أصحابه هذا الموقف العنادىّ العنيف- هؤلاء لن يغلق الإسلام بابه دونهم، ولن يقبض الله يد رحمته عنهم.. بل هم حيث طرقوا باب الإسلام فتح لهم على مصراعيه، واستقبلتهم على عتباته رحمة الله ومغفرته، فمحت كل ما علق بهم من آثام وسيئات، وإذا هم مواليد جدد فى الإسلام، يدخلونه وصفحات

<<  <  ج: ص:  >  >>