فهنا قضية، يعرض فيها موقف الإنسان من الإيمان بالله، وأن النّاس ليسوا سواء فى الانتفاع بما أودع الخالق فيهم من قوى العقل والإدراك، للتهدّى إلى الخالق والبحث عنه، والإيمان به..
وهناك فى الآيات السابقة مواقف للمشركين من الدعوة الإسلامية، وتأبّيهم عليها، وإعراضهم عنها، بعد أن جاءتهم بآياتها المشرقة، وأقامت بين أيديهم شواهد ناطقة تشهد بوجود الله، وتوقظ قلوبهم النائمة، وتنبه عقولهم الغافلة، إلى النظر إليه فى ضوء تلك الآيات البينات..
فما أبعد الشّقة بين الموقفين، وما أشد التباين بين الحالين! وهنا إبراهيم، الذي هو الأب الأكبر لهؤلاء المشركين من قريش، والذين يدّعون- كذبا- أنهم على دينه، يطوفون بالبيت الذي طاف به، ويعبدون الإله عبده أبوهم الأول، إبراهيم عليه السلام.
وهناك هؤلاء المشركون من أبناء إبراهيم، وتلك أصنامهم التي شوّهوا بها معالم البيت العتيق، وأفسدوا بها الدّين الحنيف، الذي عبد الله عليه فى هذا البيت، الذي لا يزال قائما يشهد هذا السفه الذي هم فيه.
وهنا داع يدعو إلى الله، هو إبراهيم عليه السلام، ويقف من الأصنام وعبّادها هذا الموقف الذي تتهاوى فيه الأصنام، حين يفضحها بمنطقه، قولا، وعملا.
وهناك داع يدعو إلى الله، بدعوة إبراهيم، هو محمد، صلوات الله وسلامه عليه، ويقف من تلك الأصنام وقفة إبراهيم، فيفضحها ويكشف ضعفها وعجزها، ثم يدعها لتدفن فى غياهب الضّياع.