وهكذا يلقاهم القرآن فى كل سبيل مع هذه الآلهة، حتى ينفضح أمرها لهم، وتزول مشاعر الهيبة والتوقير لها فى نفوسهم.. وهذا ما فعله إبراهيم إذ يقول لأبيه:«أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً؟ إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» وإذ يقول:
«يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» .
فإذا وهت هذه المشاعر، وتقطعت تلك الأسباب التي بين المشركين وبين آلهتهم تلك- جاء القرآن إلى هؤلاء المشركين ليجيب على هذا السؤال الذي فرضه هذا الفراغ الذي أصبحت فيه قلوبهم، بعد أن تبخرت منها سحب الأصنام التي كانت مخيمة عليها.. وكان السّؤال المفروض هو: وأين الإله الذي نعبده إذن، إذا كانت أصنامنا هذه ليست آلهة أو شبه آلهة؟ ..
ويجىء الجواب من القرآن الكريم بأن الله قريب منهم، وما عليهم لكى- يروه- إلا أن ينظروا فى هذا الوجود، وفيما فيه من مبدعات تدلّ على قدرة الخالق، وتحدّث عن سعة علمه، وبسطة سلطانه، وروعة حكمته.
والقرآن المكىّ يكاد يكون كلّه معرضا لآيات الله، ودعوة مثيرة للعقول، مغرية لها بالنظر فى ملكوت السموات والأرض.. ولا نستشهد لهذا حيث آيات القرآن أكثر من أن تحصى فى هذا الأمر.. وفى سورة الأنعام هذه التي نحن بين يديها، عشرات الآيات.
وقد كانت نظرة إبراهيم إلى الله قائمة على هذا الوجه الاستدلالىّ، للتعرف على ربّه، والإيمان به.
«وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» أي نفتح نظره، وعقله، وقلبه، على هذا الوجود، ليتعرف إلى الله.. والملكوت، هو الملك الخاضع لسلطان الله.
وقد وجّه إبراهيم نظره، وعقله وقلبه، إلى ملكوت السموات والأرض..