للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي النجم، ثم القمر، ثم الشمس؟ ولم لم يتجه نظره أولا إلى الشمس إذ كانت أعظم ما يواجه الإنسان من هذه المخلوقات؟

والجواب.. أن وحشة الليل، ورهبة ظلامه، تجعل لأى لمعة من لمعات الأنوار، وقعا على النفس، وتأثيرا على المشاعر، وليست كذلك النظرة إلى الشمس التي تكاد سطوة أضوائها، تذهب بكل إحساس بوجودها! وهذا ما نراه فى نظر إبراهيم إلى هذا الكوكب أولا، ثم إلى القمر ثانيا..

ذلك أن هذا الكوكب، وهو نجم من تلك النجوم التي يتلألأ ضوؤها كلّما اشتدّ ظلام الليل، وأطبقت حلكته، هو فى تلك الحال أفعل فى النفس، وأكثر إلفاتا للنظر من القمر، الذي يغمر نوره ما احتواه الليل كله..

وإذ لم ير إبراهيم فى ملكوت الليل وما يبزغ فيه من نجم أو قمر- إذ لم ير فى هذا الملكوت إلهه الذي ينشده، شخص ببصره إلى ملكوت النهار، فرأى الشمس تبسط سلطانها عليه، فعلق بها نظره، واحتواها عقله وقلبه، وقال:

«هذا ربى.. هذا أكبر!!» .. ولكن الرّب الكبير لم يكن إلّا خدعة خدع لها إبراهيم، حتى إذا أفلت ودّعها غير آسف، وأشرق قلبه بنور الإله الحق، الإله الذي يسيّر هذه الكائنات ويصرّفها كيف شاءت إرادته، واقتضت حكمته.. «فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» .

وهكذا عرف إبراهيم ربّه، وهكذا يعرف كل ذى عقل ربّه، إذا هو نظر، وفكّر، وعقل..!

<<  <  ج: ص:  >  >>