فلا نريد إلا ما نحن فى حاجة إليه.. ذلك فهم يتفق مع عالم النقص الذي نحن فيه، فتكون إرادتنا متحركة فى هذا العالم حسب حاجتنا، ساعية إلى سدّ ما نشعر به من نقص.. إننا نريد كذا، لأجل كذا..
أما عالم الكمال، فما يصدر عنه لا يصدر لحاجة، وإن صدر بإرادة ومشيئة، ولن يصدر بغير إرادة ومشيئة.. إنه يجرى مع الحكمة التي يطلبها الكمال..
مما تقدم يمكن أن نقول:
أولا: إن المعتزلة قد بالغوا فى رفع قيمة الإنسان، وكادوا يجعلون منه إلها مستقلا بسلطان وجوده، لا يلتفت إلى ماوراء وجوده فى صراعه مع الحياة، وفى تقلبه بين خيرها وشرها.
ولا شك أن هذه «الانعزالية» عن العالم العلوي، تحرم الإنسان كثيرا من أمداد الاستعانة بالخالق جلّ وعلا، كما أنها تدفع داعية التوكل على الله، والرضا بقضائه وقدره، بعد أن ينفذ القضاء، ويقع المقدور، فيكون فى هذا عزاء جميلا عما وقع للإنسان مما يكره ويسوء.
ثانيا: أن المعتزلة فى دفعهم للإنسان إلى هذا الحدّ، قد جاروا على الإنسان نفسه، وخلّوا بينه وبين ذاته، وألزموه أمورا وحمّلوه أوزارا يلقى بها ربه فى غير رجاء، كما جعلوا صوالح أعماله حقّا ملزما لله، يطالبه به العبد فى غير حياء! وتلك حال يدخل فيها الضيم على الإنسان من كل وجه.. فإن أي إنسان مهما بلغ من التقوى والكمال، ومهما قدّم من خير وبرّ، فهو فى حاجة أبدا إلى فضل الله، وإنّه لن يدخل الجنة بعمله، لأن أعماله مهما عظمت لن تفى بالقليل من بعض نعم الله وفضله عليه.. وفى هذا يقول الرسول الكريم..
«إنكم لن تدخلوا الجنة بأعمالكم» .. قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: