«والقرآن يصوّر الطبيعة تصويرا واضحا محددا، بوصفها عالما يتألف من قوّى يتعلق بعضها ببعض، وعلى هذا، فهو- أي القرآن- يعتبر قدرة الله المطلقة وثيقة الصلة بحكمته الإلهية، ويرى أن قدرة الله غير المتناهية، تتجلّى لا فيما هو متعسف صادر عن الهوى، وإنما فى المتواتر، المطرد، المنظم» .
يريد إقبال أن يقول: إن كل الحوادث الواقعة فى الوجود، هى فى الواقع تحديد لقدرة الله، لأنها- أي القدرة- تجرى بما قتضته الحكمة الإلهية التي أودعت فى الوجود نظاما مطردا، والنظام فى ذاته قيد من غير شك! ثم يقول إقبال فى موضع آخر:
«فالمعصية الأولى للإنسان- معصية آدم- كانت أول فعل- أي للإنسان- تتمثل فيه حرّية الاختيار، ولهذا تاب الله على آدم، وغفر له..
«وعمل الخير لا يمكن أن يكون قسرا، بل هو خضوع عن طواعيّة للمثل الأخلاقى الأعلى، خضوعا ينشأ عن تعاون الذوات الحرة المختارة، عن رغبة ورضى.
«والكائن الذي قدّرت عليه حركاته كلها، كما قدرت حركات الآلة، لا يقدر على فعل الخير.. وعلى هذا فإن الحرية شرط فى عمل الخير..
«ولكن السّماح بظهور ذات متناهية لها القدرة على أن تختار ما تفعل بعد تقدير القيم النسبية للأفعال الممكنة لها- هو فى الحق مغامرة كبرى، لأن حريّة اختيار الخير، تتضمن حرية اختيار عكسه..
«وكون المشيئة الإلهية اقتضت ذلك، دليل على ما لله من ثقة فى الإنسان..» (ولقد بقي على الإنسان أن يبرهان على أنه أهل لهذه الثقة!)