فكيف لا يتسع هذا الطيب للمؤمنين؟ وكيف يمدون أبصارهم إلى غيره من تلك الخبائث التي هى طعام أهل الرجس والفسق..؟ «وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ؟» وفى هذا الاستفهام إنكار على من كان مؤمنا ألّا يستغنى بالطيب عن الخبيث.. إلا فى حال.
الاضطرار، الذي هو ظرف استثنائى تباح فيه المحظورات، رحمة بالمؤمنين.
وقوله سبحانه:«وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ» إشارة إلى أهل البدع والضلالات، وأنهم هم الشياطين الذين يزينون للناس الشر والغواية بحملهم على ذلك، وأن هوى فاسدا، هو الذي يملى عليهم تلك المفتريات التي يضلون بها الناس، بعد أن غرقوا هم فى لجج الضلال.
قوله تعالى:«وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ» هو تحذير للمؤمنين من أن ينخدعوا لتلك الأهواء المضلّة التي تأتيهم من أهل الضلال، بما يزينون لهم منها، فيتأولون الحرام ويلبسونه ثوب الحلال، حتى يجدوا له مساغا.. وهذا هو الإثم أعظم الإثم أشنعه.. فهو إثم خفىّ يتدسس إلى الإنسان، ويغتال إيمانه دون أن يأخذ حذره منه، ويعمل على تجنبه وتوقيه..
فظاهر الإثم، هو الجلىّ الواضح، الذي لا يخطئه نظر، أو فهم.. وباطن الإثم، هو الذي يمكن أن يحجب وجهه بشىء من الخداع، والتمويه، وبقليل من غفلة العقل ووازع الإيمان..