للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً» .. «خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» ..

ومعنى الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى كما هدى المؤمنين إلى الإيمان، وجعل لهم نورا يمشون به فى الناس، جعل فى كل قرية أئمة للضلال والكفر، يمكرون فيها، ويفسدون وجوه الخير منها، ويسدّون منافذ الهدى فيها.. وهم فى واقع الأمر إنما يمكرون بأنفسهم، ويوردونها موارد الهلاك، دون أن يشعروا أنهم على طريق الضلال والضياع.. والله سبحانه وتعالى يقول: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» (١٠٣- ١٠٤: الكهف) .

وفى قوله تعالى: «وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ» فضح لبعض ما يعتمل فى نفوس المشركين من مكر وضلال، وأنّهم إذ كانوا أصحاب سلطان ونفوذ فى قومهم، فقد أبوا أن ينقادوا للحق، وأنفوا أن يقبسوا من النور ليضيئوا به ظلام قلوبهم، وقالوا: «لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ» .. حتى لكأن رسالة الله عندهم شىء من هذا الحطام الدنيوي الذي يتنافسون فيه، ويستكثرون منه، وما دروا أنها سفارة بين الله وبين عباده، لا يصلح لها إلا من هم على شىء غير قليل من صفاء النفس، وإشراق الروح.. ثم هى قبل هذا كله وبعد هذا كله، رزق من رزق الله، ونعمة من نعمه، يضعها حيث يشاء: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» ..

وقوله سبحانه: «سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ» - هو الجزاء الذي سيقع بهؤلاء المستكبرين، المتعالين.. صغار

<<  <  ج: ص:  >  >>