ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها» (الآية: ١٤٢) .. إنهم لم يقولوا بعد شيئا، ولكنهم سيقولون، حين يجىء الأمر الذي قدره الله وأراده! وسنرى فى الآيات الآتية كيف كان دفاع القرآن، وكيف كان ردّه وردعه لهؤلاء السفهاء، المتطاولين على الحق، المتربصين به وبأهله السوء! وإنك لترى من هذا كلّه أن آية النسخ كانت مقدمة الدفاع، فى قضية التحوّل بالقبلة إلى المسجد الحرام.. وكأنها تقول للمسلمين ولأهل الكتاب:
إن الله سبحانه وتعالى إذا نسخ آية من آياته، أو بدل حكما من أحكامه بحكم آخر، فذلك بمقتضى حكمته ورحمته بعباده.
وقد نسخ الله كثيرا من الشرائع التي تقدمت شريعة الإسلام، وأنساها فلم يعد أحد يذكر عنها شيئا.. فأين رسالة نوح؟ وأين صحف إبراهيم التي ذكرها القرآن فى قوله تعالى:«إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى» ؟ وأين رسالات الأنبياء: صالح، وهود، وشعيب، ولوط؟
يقول ابن كثير فى تفسيره:
«والذي يحمل اليهود على البحث فى مسألة النسخ هو الكفر والعناد، فإنه ليس فى العقل ما يدل على امتناع النسخ فى أحكام الله تعالى.. لأنه يحكم ما يشاء، كما أنه يفعل ما يريد.. كما أنه قد وقع ذلك فى كتبه المتقدمة، وشرائعه الماضية، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرّم ذلك، كما أحلّ لنوح عليه السلام بعد خروجه من السفينة، جميع الحيوانات، ثم نسخ حلّ بعضها، وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه، وقد حرّم فى شريعة التوراة وما بعدها. وأمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، ثم نسخه قبل الفعل ... »«١»