للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولهما: إلفات المشركين إلى أنفسهم، حتى يعيدوا النظر إلى تلك الحال التي تركهم النبىّ عليها.. وذلك فى حال هم فيها فى غير مواجهة صريحة مع النبىّ، الذي يكشف أدواءهم، ويقدّم لهم الدواء، الأمر الذي كثيرا ما تتأباه النفوس المريضة، وتزورّ به العقول السقيمة، على خلاف ما إذا خلا أمثال هؤلاء بأنفسهم، واطمأنوا إلى أن أحدا لن يطلع عليهم، فإنهم عندئذ قد يتعرّون مما ركبهم من ظلام وضلال، وقد يجد أحدهم الجرأة أمام نفسه فيفضحها ويهتك سترها، وينخلع مما هو فيه، ثم ينطلق إلى مطالع النور، ومواقع الهدى..

وثانيهما: أن المسلمين إذ يرون ما تكشف آيات الله من سوء حال المشركين، وما ينتظرهم من مصير مشئوم، يزداد إيمانهم إشراقا وألقا، ويبدو لهم أنهم أثقل ميزانا، وأكرم مقاما من هؤلاء المشركين الذين يسومونهم العذاب، ويأخذونهم بالبأساء والضراء.. وفى هذا عزاء جميل «للمسلمين» وتثبيت لأقدامهم على الطريق المستقيم.

وفى قوله تعالى: «وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً» اتهام للمشركين بما افتروا على الله، وما شرعوا لأنفسهم من شريعة، استملوها من أهوائهم الباطلة، وتصوراتهم الفاسدة.. ومن هذا أنهم جعلوا لله نصيبا مما «ذرأ» أي خلق «من الحرث» أي الزرع، «والأنعام» .. فقالوا «هذا لله بزعمهم» أي بما زعموه هم، لا عن أمر سماوىّ من الله..

«وقالوا: «هذا لشركائنا» أي لآلهتهم التي عبدوها، وجعلوها شركاء لله، يقدمون لها القرابين مما رزقهم الله! وقوله تعالى: «فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ» أي فما جعلوه لله جحدوه، ولم يحرصوا على الوفاء

<<  <  ج: ص:  >  >>