عليهم من طيبات، فإنهم سيزعمون مزاعم كثيرة، ويقولون فيما يقولون من زور وبهتان: إن الله لم يحرّم علينا هذا الذي يذكره محمد عنا فى قرآنه! وقد علم الله سبحانه منهم أنهم لن يسلّموا بما أخبر به النبىّ عنهم، ولهذا جاء قوله تعالى مؤكدا هذا الخبر بقوله سبحانه:«وَإِنَّا لَصادِقُونَ» وذلك ليكون لهم من هذا التوكيد رادع يردعهم عن التكذيب بخبر يعلمون صدقه.. فإن أبوا إلا لجاحا وعنادا، لقيهم الرسول بقوله تعالى:«رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» وفى هذا وعيد لليهود، وتجريم لهم، وأنهم- مع سعة رحمة الله- لا ينالون هذه الرحمة، ولا يدخلون فيمن يرحمهم الله من عباده، لأنهم أجرموا فى حق الله، «وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» .
هذا، ويلاحظ أن الآية الكريمة لم تلقهم بالتجريم لقاء مباشرا، بل جاء الحكم على المجرمين حكما عاما، يشملهم ويشمل غيرهم من المجرمين- وذلك أن الآية مكية، والسورة كلها مكية، ولم يكن الرسول قد التقى باليهود التقاء مباشرا، وإنما هذه الإشارات البعيدة هى إرهاص بما سيكون بينهم وبين الرسول من لقاء مباشر، وأنهم لن يلقوا الرسول، بالسلام، والتسليم، بل سيلقونه- بما عرف عنهم- بالبهت والتكذيب..
وهذا من شأنه:
أولا: أن يهيىء نفس النبىّ للمعركة المنتظرة بينه وبين اليهود، وأنها معركة ستكون أسلحة اليهود فيها هى البهت والتكذيب، والافتراء والدس.
وثانيا: أن يلفت اليهود إلى النبىّ، وإلى ما سيكون له من شأن معهم، وأنه ليس رسولا إلى العرب وحدهم، بل هو رسول إلى كل من تبلغه رسالته، من عرب وغير عرب، من مشركين وأهل كتاب على السواء.