فهذا الحضور هو شرط فى أن يرزق هؤلاء الحاضرون من هذا الخير الذي شهدوه، ورأوا الأيدى تمتد إليه وتنال منه! وأنت ترى ما فى هذا التوجيه السماوي، تلك الحكمة الحكيمة التي تقوم عليها شريعة الإسلام فى تربية الأمم، ودعم بنائها، وإقامة أسسها على دعائم وطيدة من التضامن الاجتماعى، وحراسة المجتمع الإنسانى من أن تدخل عليه آفات التباغض والتحاسد، التي هى أفتك الأدواء فى تقويض الجماعات والأمم!.
إن ضريبة «الزكاة» التي تفرضها كثير من الدول على ما ترك المورّث ليس إلا تطبيقا إجباريا، لهذا المبدأ الكريم السمح، وإلا وحيا من وحيه، وإن كان البون شاسعا، والمدى بعيدا، بينها وبين ما جاء به القران وشرعه الإسلام.
فالإسلام لم يجعل هذا الأمر على وجه ملزم، بل جعله دعوة مطلقة للخير وللبر، فى مقام يحضره داعيان من دواعى الخير والبر، وهما: الوجد والموت..
إذ المال موجود عتيد بين يدى من سيصير إليهم من الورثة، وهو مال لم يقع فى أيديهم بعد.. ومن أجل هذا فإن النفس- فى تلك الحال- لا يغلبها الحرص عليه، والضنّ به كما لو وقع فى اليد، وصار فى حوزة صاحبه.. خاصة وأنه لم يبذل له جهدا، ولم يتكلف له عملا، بل جاءه هكذا عفوا من غير سعى..
ثم الموت المشهود المذكور فى هذا الوقت، حيث كل شىء من هذا المال يذكّر بالميت والموت معا.. ومن أجل هذا فإن النفس لا يغلبها الشح، ولا يمسك بها عن البذل والإنفاق فى سبيل الله، داعى الحرص على الحياة فى هذا الوقت، الذي يطلّ عليها فيه شبح الموت، ويذكرها بأن كل شىء إلى زوال «والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا» !.
هذه الآية من الآيات الكثيرة التي قيل- على سبيل القطع- إنها منسوخة، وهى- كما رأيت- دعوة كريمة من دعوات الإسلام إلى البرّ والإحسان،