وليست العبرة فى خلق الناقة، ولا فى أوصافها التي كانت عليها، وإنما العبرة فيما ابتلوا به منها.. إنها ناقة الله.. وربما لا يكون فيها شىء يختلف عن جنسها من النياق، ولكن هكذا أضافها الله إليه تكريما وتشريفا، لتكون معلما من معالم الحق، له احترامه، وتوقيره.. والبلوى فيها هو ألا يمسوها بسوء.. فإن هم مسوها بسوء أخذهم العذاب.. وهذا هو وجه التحدي من تلك الآية، وتلك هى المعجزة المتحدية منها.
ولم يصبر القوم على هذا البلاء، ولم يدعوا الناقة تأكل فى أرض الله كما تأكل جميع النياق، ولكنهم تحدوا هذه المعجزة، واستعجلوا العذاب الذي يأتيهم من جهتها، فمقروها. وقد أغراهم على ذلك ما أغرى أباهم آدم بالأكل من الشجرة التي نهى عن أكلها.. وإنه لو لم ينه عنها فلربما لم يلتفت إليها ولم يأكل منها.. وكذلك هم، كان نهيهم عن ترك الناقة تأكل فى أرض الله إلفاتا لهم إليها، وابتلاء لهم بعدم الامتثال لما أمروا به فى شأنها.. «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» أي مقلوبين على وجوههم، كما يجثم الطائر على الأرض والرجفة التي أخذتهم هى الزلزلة.. وقد وصفت بالطاغية فى قوله تعالى:«فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ»(٥: الحاقة) ووصفت بالصيحة فى قوله تعالى: «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ»(٦٨: هود) وفى قوله تعالى: «قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ» إشارة إلى أن صالحا كان ذا جاه فى قومه، وأن سفاءهم لم يواجهوه مواجهة بالتجريح والتكذيب، بل